محمد الدفيلي
بين أزمات البناء
الدستوري وتحديات الذكاء الاصطناعي: مسؤولية العلوم الإنسانية
السادة الباحثون والقراء الكرام،
نتشرف بتقديم العدد الحادي عشر من
"مجلة الجامعة للأبحاث والدراسات"، في إطلالة معرفية جديدة تسعى إلى
تعميق النقاش حول قضايا العلوم الإنسانية المتشابكة والمتجددة. يأتي هذا العدد
ليؤكد رسالة المجلة في تتبع التحولات الفكرية والقانونية والاجتماعية التي تشهدها
المنطقة والعالم.
لقد اخترنا أن تكون المقالة
الافتتاحية لهذا العدد، بعنوان "الدستورانية الإيرانية ما بين التاج
والعمامة"، بمثابة دعوة للتأمل في تعقيدات
بناء الأنظمة السياسية، لا سيما تلك التي تتأرجح بين الأصول التاريخية والشرعية
الدينية. يقدم البحث تحليلاً نقدياً للتجربة الدستورية الإيرانية، من الحكم الملكي
إلى ولاية الفقيه، محاولاً فك الاشتباك بين مفاهيم التحديث الدستوري وإعادة إنتاج
السلطة الاستبدادية بأقنعة مختلفة، وهي قضية محورية لفهم تطور الدولة الحديثة في
سياقنا العربي والإسلامي.
على صعيد آخر، يولي العدد اهتماماً
بالغاً للقضايا التي تمس صميم الكيان الاجتماعي، وعلى رأسها الأسرة والمال. فإلى
جانب التأصيل الفقهي والاقتصادي لدور الوقف الخيري كآلية فاعلة ومستدامة للتنمية
والتكافل الاجتماعي، يعالج العدد إحدى أهم المعضلات القانونية المعاصرة في المغرب،
وهي مسألة تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين في إطار مدونة الأسرة،
مسلطاً الضوء على التحديات القضائية والإجرائية لتطبيق مبدأ الذمة المالية
المستقلة للزوجين. وفي سياق لا يقل أهمية، يعيدنا العدد إلى الجذور الثقافية من
خلال توثيق التراث اللامادي لطقوس الزواج في منطقة وادي زم، مذكّراً بأهمية حفظ
الموروث الاجتماعي بوصفه مخزوناً قيماً للهوية الجماعية.
أما الموضوع الأكثر استشرافاً،
فيتجسد في المقال حول "أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في البحث
العلمي". نحن نعيش ثورة رقمية أعادت تشكيل
منهجيات البحث، ورغم الفوائد الهائلة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في تحليل
البيانات وتسريع المعرفة، إلا أنه يطرح تحديات أخلاقية مهمة تتعلق بالنزاهة،
والتحيز الخوارزمي، وحماية الملكية الفكرية. إن مسؤولية المجلة الأكاديمية لا
تتوقف عند نشر الأبحاث، بل تمتد إلى وضع البوصلة الأخلاقية التي توجه الباحثين نحو
استخدام هذه الأدوات بشفافية ومسؤولية كاملة.
إن التنوع المعرفي لهذا العدد، الذي
يجمع بين تحليل الدستور، وفقه الوقف، وقانون الأسرة، وأخلاقيات التكنولوجيا، يعكس
التزام المجلة بأن تظل منبراً للبحث الرصين الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
نتمنى لقرائنا الكرام أقصى درجات
الاستفادة والتحفيز الفكري، ونتقدم بالشكر الجزيل لجميع الأساتذة والباحثين الذين
أثروا هذا العدد بجهودهم القيمة.
لتصفح العدد و الإطلاع عليه من هنا
